سورة القيامة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القيامة)


        


{يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
أي يسأل سؤال مستنعت مستبعد لقيام الساعة، في قوله: أيان يوم القيامة، ونظيره {يقولون متى هذا الوعد} [يونس: 48] واعلم أن إنكار البعث تارة يتولد من الشبهة وأخرى من الشهوة، أما من الشبهة فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3] وتقريره أن الإنسان هو هذا البدن فإذا مات تفرقت أجزاء البدن واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء التراب وتفرقت في مشارق الأرض ومغاربها فكان تمييزها بعد ذلك عن غيرها محالاً فكان البعث محالاً، واعلم أن هذه الشبهة ساقطة من وجهين:
الأول: لا نسلم أن الإنسان هو هذا البدن فلم لا يجوز أن يقال: إنه شيء مدبر لهذا البدن فإذا فسد هذا البدن بقي هو حياً كما كان. وحينئذ يكون الله تعالى قادراً على أن يرده إلى أي بدن شاء وأراد، وعلى هذا القول يسقط السؤال، وفي الآية إشارة إلى هذا لأنه أقسم بالنفس اللوامة، ثم قال: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} وهو تصريح بالفرق بين النفس والبدن الثاني: إن سلمنا أن الإنسان هو هذا البدن فلم قلتم: إنه بعد تفريق أجزائه لا يمكن جمعه مرة أخرى وذلك لأنه تعالى عالم بجميع الجزئيات فيكون عالماً بالجزء الذي هو بدن عمرو، وهو تعالى قادر على كل الممكنات وذلك التركيب من الممكنات وإلا لما وجد أولاً، فيلزم أن يكون قادراً على تركيبها. ومتى ثبت كونه تعالى عالماً بجميع الجزئيات قادراً على جميع الممكنات لا يبقى في المسألة إشكال.
وأما القسم الثاني: وهو إنكار من أنكر المعاد بناء على الشهوة فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله: {بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة: 5] ومعناه أن الإنسان الذي يميل طبعه إلى الاسترسال في الشهوات والاستكثار من اللذات لا يكاد يقر بالحشر والنشر وبعث الأموات لئلا تتنغص عليه اللذات الجسمانية فيكون أبداً منكراً لذلك قائلاً على سبيل الهزؤ والسخرية أيان يوم القيامة.
ثم إنه تعالى ذكر علامات القيامة.


{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى ذكر من علامات القيامة في هذا الموضع أموراً ثلاثة أولها: قوله: {فَإِذَا بَرِقَ البصر} قرئ بكسر الراء وفتحها، قال الأخفش: المكسورة في كلامهم أكثر والمفتوحة لغة أيضاً، قال الزجاج: برق بصره بكسر الراء يبرق برقاً إذا تحير، والأصل فيه أن يكثر الإنسان من النظر إلى لمعان البرق، فيؤثر ذلك في ناظره، ثم يستعمل ذلك في كل حيرة، وإن لم يكن هناك نظر إلى البرق، كما قالوا: قمر بصره إذا فسد من النظر إلى القمر، ثم استعير في الحيرة، وكذلك بعل الرجل في أمره، أي تحير ودهش، وأصله من قولهم: بعلت المرأة إذا فاجأها زوجها، فنظرت إليه وتحيرت، وأما برق بفتح الراء، فهو من البريق، أي لمع من شدة شخوصه، وقرأ أبو السمال بلق بمعنى انفتح، وانفتح يقال: بلق الباب وأبلقته وبلقته فتحته.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن هذه الحالة متى تحصل؟ فقيل: عند الموت، وقيل: عند البعث وقيل: عند رؤية جهنم، فمن قال: إن هذا يكون عند الموت، قال: إن البصر يبرق على معنى يشخص عند معاينة أسباب الموت، والملائكة كما يوجد ذلك في كل واحد إذا قرب موته، ومن مال إلى هذا التأويل، قال: إنهم إنما سألوه عن يوم القيامة، لكنه تعالى ذكر هذه الحادثة عند الموت والسبب فيه من وجهين:
الأول: أن المنكر لما قال: {أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} [القيامة: 6] على سبيل الاستهزاء فقيل له: إذا برق البصر وقرب الموت زالت عنه الشكوك، وتيقن حينئذ أن الذي كان عليه من إنكار البعث والقيامة خطأ الثاني: أنه إذا قرب موته وبرق بصره تيقن أن إنكار البعث لأجل طلب اللذات الدنيوية كان باطلاً، وأما من قال بأن ذلك إنما يكون عند قيام القيامة، قال: لأن السؤال إنما كان عن يوم القيامة، فوجب أن يقع الجواب بما يكون من خواصه وآثاره، قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} [إبراهيم: 41].
وثانيها: قوله: {وَخَسَفَ القمر} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: يحتمل أن يكون المراد من خسوف القمر ذهاب ضوئه كما نعقله من حاله إذا خسف في الدنيا، ويحتمل أن يكون المراد ذهابه بنفسه كقوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} [القصص: 81].
المسألة الثانية: قرئ: {وَخَسَفَ القمر} على البناء للمفعول.
وثالثها: قوله: {وَجُمِعَ الشمس والقمر} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في كيفية الجمع وجوهاً أحدها: أنه تعالى قال: {لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القمر} [يس: 40] فإذا جاء وقت القيامة أدرك كل واحد منهما صاحبه واجتمعا.
وثانيها: جمعا في ذهاب الضوء، فهو كما يقال: الشافعي يجمع ما بين كذا وكذا في حكم كذا.
وثالثها: يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار، وقيل: يجمعان ثم يقذفان في البحر، فهناك نار الله الكبرى واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها في قوله، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر إنما تستقيم على مذهب من يجعل برق البصر من علامات القيامة، فأما من يجعل برق البصر من علامات الموت قال معنى: {وَخَسَفَ القمر} أي ذهب ضوء البصر عند الموت، يقال عين خاسفة، إذا فقئت حتى غابت حدقتها في الرأس، وأصلها من خسفت الأرض إذا ساخت بما عليها، وقوله: {وَجُمِعَ الشمس والقمر} كناية عن ذهاب الروح إلى عالم الآخرة، كأن الآخرة كالشمس، فإنه يظهر فيها المغيبات وتتضح فيها المبهمات، والروح كالقمر فإنه كما أن القمر يقبل النور من الشمس، فكذا الروح تقبل نور المعارف من عالم الآخرة، ولا شك أن تفسير هذه الآيات بعلامات القيامة أولى من تفسيرها بعلامات الموت وأشد مطابقة لها.
المسألة الثانية: قال الفراء: إنما قال جمع، ولم يقل: جمعت لأن المراد أنه جمع بينهما في زوال النور وذهاب الضوء، وقال الكسائي، المعنى جمع النوران أو الضياءان، وقال أبو عبيدة، القمر شارك الشمس في الجمع، وهو مذكر، فلا جرم غلب جانب التذكير في اللفظ، قال الفراء، قلت: لمن نصر هذا القول: كيف تقولون: الشمس جمع والقمر؟ فقالوا: جمعت، فقلت ما الفرق بين الموضعين؟ فرجع عن هذا القول.
المسألة الثالثة: طعنت الملاحدة في الآية، وقالوا: خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر والجواب: الله تعالى قادر على أن يجعل القمر منخسفاً، سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس، أو لم تكن، والدليل عليه أن الأجسام متماثلة، فيصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر، والله قادر على كل الممكنات، فوجب أن يقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال.
قوله تعالى: {يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر} أي يقول هذا الإنسان المنكر للقيامة إذا عاين هذه الأحوال أين المفر، والقراءة المشهورة بفتح الفاء، وقرئ أيضاً بكسر الفاء، والمفر بفتح الفاء هو الفرار، قال الأخفش والزجاج: المصدر من فعل يفعل مفتوح العين. وهو قول جمهور أهل اللغة، والمعنى أين الفرار، وقول القائل: أين الفرار يحتمل معنيين أحدهما: أنه لا يرى علامات مكنة الفرار فيقول حينئذ: أين الفرار، كما إذا أيس من وجدان زيد يقول: أين زيد والثاني: أن يكون المعنى إلى أين الفرار، وأما المفر بكسر الفاء فهو الموضع، فزعم بعض أهل اللغة أن المفر بفتح الفاء كما يكون اسماً للمصدر، فقد يكون أيضاً اسماً للموضع والمفر بكسر الفاء كما يكون اسماً للموضع، فقد يكون مصدراً ونظيره المرجع.


{كَلَّا لَا وَزَرَ (11)}
قوله تعالى: {كَلاَّ} وهو ردع عن طلب المفر {لاَ وَزَرَ} قال المبرد والزجاج: أصل الوزر الجبل المنيع، ثم يقال: لكل ما التجأت إليه وتحصنت به وزر، وأنشد المبرد قول كعب بن مالك:
الناس آلت علينا فيك ليس لنا *** إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعتصم به من أمر الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8